info@hcf-ye.org
الجمهورية اليمنية - حضرموت - المكلا - جانب جامع وارساما - عمارة بارشيد الشرج
في مدينة المكلا عاشت "بشرى" ابنة مدينة جعار بمحافظة أبين قصة كفاح وإصرار ستظل محفورة في الذاكرة. كانت أمرأه شابة تحمل في عينيها بريق الحياة، وفي قلبها أحلاماً كبيرة لكن القدر خطط لها مساراً مختلفاً؛ مساراً مليئاً بالتحديات والصعاب.
بدأت القصة عندما أحسّت بألم غريب فوق لسانها، ففي البداية اعتقدت أنه مجرد التهاب بسيط، لكن الألم زاد يوماً بعد يوم حتى أصبح لا يطاق. قررت "بشرى" مراجعة الطبيب المختص وعملت الفحوصات والأشعة اللازمة، وفي تلك الزيارة التي ستغير حياتها إلى الأبد، سمعت الكلمات التي لم تتوقع أن تسمعها: "أنتِ مصابة بالسرطان".
كانت الصدمة قاسية عليها ولم يأتي شيء في بالها حينها -بعد أن حمدت الله- إلا ألا يعلم والدها المريض بالقلب خبر إصابتها بالسرطان خوفاً عليه أن يؤثر ذلك على صحته، خاصة وأنها كانت وحدها تواجه هذا الواقع المرير. فزوجها، بدلاً من أن يكون سنداً لها، كان غارقاً في إدمان القات، تاركاً إياها تواجه مصيرها وحدها. ورغم ذلك، لم تستسلم "بشرى". كانت إيمانها بالله قوياً، وحبها لأبنائها كان دافعاً لها لمواصلة الحياة.
بدأت رحلة علاجها أشبه بمهمة مستحيلة، كانت مليئة بالتحديات والمعاناة، إذ في حينها وبالتحديد في ديسمبر من العام (2018م) لم يكن العلاج الإشعاعي متوفر في مكان إقامتها بالمكلا، لذا كان يجب عليها أن تسافر إلى محافظة صنعاء، المدينة الباردة، حيث واجهت صعوبة في الإقامة في ظل تخلي أحد أقربائها من السكن في بيتهم، لتجد نفسها تائهة في شوارع صنعاء الباردة مع أطفالها الصغار إلى أن سخر الله لها أهل الخير في إيوائها ووفر لهم جيرانها الفراش والأغطية، وبفضل الله استقرت وبدأت في جلسات العلاج الإشعاعي، وتقول عن ذلك: "أحسست بالاكتئاب في الشهر الأول من العلاج الإشعاعي وكان أصعب شهر في رحلتي العلاجية وتجاوزت ذلك من خلال الدعاء إلى الله أن يفرج همي ويلهمني الصبر فليس لي سواه معين".
وهنا بدأت الآثار الجانبية للعلاج تظهر عليها كالجفاف في الحلق وضعف المناعة والشهية وسقوط الشعر، ولكنها كانت تصبر من أجل أطفالها. كانت تطهو لهم في علب معدنية، مستخدمة النار والبلاستيك، رغم تحذيرات الأطباء من استخدام النار أثناء فترة العلاج الإشعاعي. كانت تريد أن ترى ابتسامة على وجوههم، حتى في أصعب الظروف، وتقول في هذا الجانب: "كنت خاف أن أموت ولا أحد يرعى أبنائي الأربعة لذا كنت حريصة على التعافي ".
مرض السرطان لم يكن الوحيد الذي أصاب "بشرى"، بل أصابها أيضاً بمرض آخر، هو مرض المجتمع. فقد واجهت الكثير من الانتقادات والنظرات الشفقة، حتى من أقرب الناس إليها. ولكنها كانت تتجاهل كل ذلك، وتركز على هدفها الوحيد وهو الشفاء.
بعد فترة طويلة من المعاناة والتحدي، تمكنت "بشرى" من التغلب على المرض، ولكنها لم تعد هي نفسها بل أصبحت أقوى، وأكثر إصراراً، وأكثر إيماناً بالله. بدأت حياة جديدة، حياة مليئة بالتحديات، ولكنها كانت مستعدة لمواجهتها.
لم تستسلم "بشرى"، بل حولت معاناتها إلى قوة. والتحقت بالدورات المهنية التي تنظمها مؤسسة حضرموت لمكافحة السرطان وتعلمت حرف جديدة مثل حرفة صناعة الشموع العطرية والجبس وحرفة صناعة الإكسسوارات والريزن والتي تعتبرها هوايات اكتسبتها كانت لا تملكها من قبل.
وعادت إلى حياتها الطبيعية بعد طلاقها من زوجها المهمل والتحقت بوظيفة عاملة خدمات في أحد المستشفيات الخاصة بمدينة المكلا وذلك لرعاية أبنائها وتلبية احتياجاتهم الأساسية.
تقول بشرى: " أتمنى أن يعي الناس أن مرض السرطان مرض غير معدي، وألا ينظر المجتمع لمرضى السرطان بدونية أو تمييز، ونصيحتي لكل المرضى أن لا ييأسوا من رحمة الله وفضلة وأن يتوكلوا علية دائما وأبدا، فلا مكان لليأس في حياتنا ما دمنا مؤمنين".
لم تكن رحلة بشرى سهلة، ولكنها مليئة بالتحديات والإنجازات، فقد أثبتت للعالم أن الإرادة القوية والإيمان بالله هما أقوى سلاحين لمواجه المصاعب.
اليوم بشرى هي مصدر إلهام للكثيرين فقصتها ليست مجرد قصة مرض، بل هي إمراه تحدت المستحيل وتحولت من ضحية إلى بطلة هي قصة تلهمنا جميعاً، وتذكرنا بأهمية الحياة، وأهمية التمسك بالأمل في أصعب الظروف.
#يداً_بيد_نزرع_الأمل
#مؤسسة_حضرموت_لمكافحة_السرطان
#HCCF
#قصص_النجاح
#امرأة_تحدت_المستحيل