info@hcf-ye.org
الجمهورية اليمنية - حضرموت - المكلا - جانب جامع وارساما - عمارة بارشيد الشرج
في قلب القارة السمراء، تحت ظل قمة كليمنجارو الشامخة، ولدت (رحمة). كانت طفلة بريئة تلعب بين حقول تنزانيا الخضراء، لا تدري أن القدر يحمل لها تحديات ستشكلها وتقويها. حملت طفولتها روح المغامرة والقوة، فــــ(تنزانيا) أرض واسعة مترامية الأطراف، تعلمت فيها (رحمة) قيمة الحياة البسيطة والجمال الخفي في كل شيء حولها. لم تكن تعلم حينها أن هذه القوة الداخلية ستكون سلاحها في مواجهة أكبر تحدٍ ستواجهه في حياتها.
في الخامسة من عمرها انتقلت رحمة مع عائلتها إلى مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية وكانت رحلتها إلى عالم جديد مليء بالحب والابتسامات والألعاب، كبرت وترعرعت ي تلك المدينة وأنهت مرحلة الثانوية بنسبة مشرفة (88%) وكانت تحلم بجامعة تحلق فوق سماءها لكن القدر شاء لها طريقاً آخر، وتقول رحمة عن تلك المرحلة: "كنت أتمنى أن أكمل دراستي الجامعية ولكن بسبب ظروف خاصة التحقت بمراكز تحفيظ القران الكريم لمدة سنتين، فوجت فيه ملاذي وسلامي".
تزوجت رحمة وانتقلت إلى مدينة الرياض مقر عمل زوجها وحملت بين أحضانها أربعة أطفال، وفي عام (2018م) بدأت تشعر بورم بسيط في ثديها وكان تشعر بشعور غريب يراودها هل هو مجرد وهم أم بداية لعاصفة قادمة؟ لم تكنت تعلم.
تقول رحمة: "في البداية لم ألقى أي اهتمام للورم ولكن كان ينتابني شعور بأنه سرطان ولكن معلوماتي عن هذا المرض قليلة جداً وشاء القدر أن يحملني القدر إلى أرض الأجداد، أرض اليمن بكيت لفراق أحبائي ولكنني وجدت في أحضنها دفئاً لم أتوقعه في المكلا، المدينة التي استقبلتني ببساطتها بدأت رحلتي الفعلية مع المرض"
بدأ الورم يكبر حيث واجهت خوفاً شديدا من المجهول، ذهبت إلى مستشفى البرج حيث يعمل أخصائي الأورام الدكتور "محمد باعامر" الذي شخص حالتها أنها مصابة بالسرطان، ورغم الصدمة، تمكنت رحمة من أن تجد القوة في إيمانها بالله، فحمدت ربها على هذا الابتلاء، متيقنة أن الله لا يختبر عبده إلا بما يستطيع تحمله.
ولكن سرعان ما تحولت الفرحة بالإيمان إلى قلق عميق. فالعلاج الذي تحتاجه رحمة لم يكن متاحاً في وقتها بحضرموت، وكانت تكاليف السفر والعلاج في الخارج تفوق قدراتها المادية. أمامها خياران مريران: الاستسلام للمرض، أو السعي بكل قوة للحصول على العلاج المنقذ للحياة.
في تلك اللحظة الصعبة، ظهرت قوة العائلة. وقف زوج (رحمة) بجانبها كالصخرة، ولم يتردد في أخذ قرض من مكان عمله لتمويل سفرها إلى مصر. كانت الأموال التي جمعها تكفي بالكاد لتغطية تكاليف الرحلة والعلاج الأولي. أما أم رحمة، فلم تدخر جهداً في دعم ابنتها معنوياً ومادياً، متبرعة بكل ما تملك لضمان حصول ابنتها على أفضل رعاية طبية.
معاً، قرروا أن يواجهوا هذا التحدي بكل قوة وإيمان. كانت بداية الطريق صعبة، خاصة في ليلتها الأولى في المستشفى قبل تلقي أول جرعة من العلاج الكيماوي، تقول: "لم أستطع أن أغفو تلك الليلة، كان الخوف والقلق يملآن قلبي. لكني تذكرت قول الله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنقصٍ مِنَ الأَمْوالِ وَالأنفسِ وَالثمراتِ وبشر الصابرين}. فقلت في نفسي: هذا هو قدر الله، وأنا مؤمنة به راضية به. فبدأت أكرر ذكر الله والاستغفار، وألجأ إلى الرقية الشرعية. شعرت بالسكينة تدب في قلبي، وعرفت أنني سأتجاوز هذه المحنة بإذن الله."
مع كل جلسة علاج، كانت رحمة تقوي من إيمانها وتزداد يقيناً بأن الله معها. برغم الآثار الجانبية للعلاج، كتساقط الشعر والتعب والإرهاق، والعصبية، وعدم النوم والأرق إلا أن رحمة حافظت على ابتسامتها وتفاؤلها. لم تدع المرض يسيطر على حياتها، بل استمرت في العيش بشكل طبيعي قدر الإمكان، مع أسرتها وأطفالها الذين كانوا مصدر قوتها وسعادتها.
تروي رحمة عن دعم أمّها في هذه المرحلة الصعبة وتستعيد ذكرياتها قائلة: "بينما كنت أواجه تحديات المرض، كنت أستمد قوتي من حب أمي ودعواتها، وكأنها ملاكي الحارس، ففي كل لحظة ضعف، كانت أمي ملاذي الآمن، وحصني الحصين. لمسة يدها الدافئة كانت كالشمس التي تدفئ قلبي، ودعواتها كانت كالمطر الذي يروي روحي. في أحلك لحظات المرض، كانت كلماتها تهدئ روحي وتزرع في قلبي الأمل. لن أنسى أبداً تضحياتها، فحبها كان لي دواءً شافياً، وعوناً لي على تجاوز المحنة وكتب لها حباً ووفاءً هذه الكلمات: يمّه يا نبع الحنان، في مرضي كنتي لي الأمان، دعواتك دفعتي للأمام، ولقيت في عيونك كل الحنان".
بعد الشفاء، اكتشفت رحمة أن المرض قد غير نظرتا للحياة. أصبحت تقدر الصحة والعافية أكثر من أي وقت مضى، والتزمت بغذاء صحي منظم يتناسب مع داء السكر الذي يعتبر أحد الآثار الجانبية طويلة الأمد للعلاج، وزادت ارتباطها بالله وبالقرآن الكريم الذي حفظت أجزاء منه، ولم تكتفي بذلك فحسب بل التحقت بمعهد الدراسات الإسلامية.
كما اكتسبت مهارات حرفية جديدة، من خلال التحاقها بالبرامج المهنية التي تنفذها مؤسسة حضرموت لمكافحة السرطان مثل دورة صناعة الإكسسوارات والرزين ودورة صناعة الجبس الشموع، مما ساعدها على قضاء وقت مفيد والتقرب من الناس.
وأصبحت بعد الشفاء تهوى القراءة والمشي والكتابة التي من خلالها كتبت: "مرض السرطان علمني قيمة الحياة والصحة، وأدركت أن السعادة الحقيقية تكمن في القناعة والرضا بما قسمه الله لنا. أنصح كل مريض بأن يهتم بنفسه ولا يستسلم للأحزان، فالحياة أمانة يجب أن نحافظ عليها. علينا أن نستثمر كل لحظة لنرتقي بأنفسنا ونقرب إلى الله بالذكر والدعاء. والإيمان بالله هو السلاح الأقوى في مواجهة أي مصيبة".
أما عن رسالتها لكل مريض كتبت: " أود أن أقول لكل مريض: أنت أقوى مما تعتقد. المرض تجربة صعبة، لكنها فرصة لتغيير حياتك للأفضل. لا تدع الخوف يشل حركتك، ولا تسمح للألم أن يسرق ابتسامتك. استمتع باللحظات الجميلة، واحمد الله على نعمه الكثيرة. تذكر أنك لست وحدك، فهناك من يحبك ويدعمك والحياة رحلة مليئة بالتحديات والمنعطفات، ولكنها فرصة للنمو والتطور. كل تجربة صعبة تمر بنا تجعلنا أقوى وأكثر حكمة. فلتكن حياتك قصة نجاح، اكتب فصولها بنفسك، وحقق أحلامك وطموحاتك ".
اليوم، تجلس رحمة في منزلها الدافئ، محاطة بأبنائها الأربعة وزوجها الداعم. تستمتع بعملها المنزلي، وممارسة هوايتها المفضلة وهي الكتابة. بعد كل ما مرت به، أصبحت أكثر تقديراً للحياة وللأسرة. إنها تؤمن بأن الله اختبرها، ولكنه أيضاً عوضها خيراً. فبعد أن كانت مجرد ربة منزل عادية، أصبحت مصدر إلهام للكثيرين، وقصة نجاح تحكي عن قوة الإيمان والعزيمة.
#يداً_بيد_نزرع_الأمل
#مؤسسة_حضرموت_لمكافحة_السرطان
#تنزانيا#السعودية#اليمن
#قصص_النجاح
#الدعم_الأسري